
المجاهد عمار معاش
“عندما تنطق البنادق، يصمت التاريخ ليكتب أسطر المجد”
في ليلةٍ خالدة من ليالي الجزائر، حين كان الظلام يلف الأوراس وقممها الشامخة، كان القدر يرسم على صفحات التاريخ ملحمة بطولية استثنائية. إنها ليلة الفاتح من نوفمبر 1954، الليلة التي أشعل فيها الأبطال شعلة الحرية التي أضاءت درب الجزائر نحو الاستقلال.
في خضم هذه الملحمة التاريخية، يبرز اسم المجاهد عمار معاش، المعروف بـ”عمار المارشينوار”، كأحد أبرز صناع التاريخ الجزائري وأحد مهندسي الثورة التحريرية الكبرى. كان رجلاً استثنائياً بكل المقاييس، جمع بين الحنكة السياسية والشجاعة الميدانية، وبين التنظيم المحكم والعمل السري الدؤوب.
منذ عام 1944، حين كانت الحركة الوطنية في مهدها، كان عمار معاش من مؤسسيها الأوائل، يحمل في قلبه حلم الجزائر الحرة. ثم جاءت سنة 1946 لتشهد بداية تعاونه الوثيق مع الشهيد مصطفى بن بولعيد، ليبدآ معاً رحلة الإعداد للثورة التي استمرت لسنوات.
كان لعمار معاش دور محوري في احتضان أعضاء المنظمة السرية عام 1950، حين أصبح منزله ملاذاً آمناً لقادة الثورة المستقبليين أمثال زيغود يوسف، محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، وديدوش مراد. كان هذا الدور يعكس الثقة العميقة التي وضعها فيه رفيق دربه بن بولعيد.
اتخذ من التجارة ستاراً لنشاطه الثوري، فكان محله التجاري في يابوس، وشراكته مع بن بولعيد في باتنة، غطاءً محكماً لعمليات جمع التبرعات، والتوعية، وتجنيد المناضلين، وتهريب السلاح. هذا الذكاء التنظيمي جعل منه هدفاً للسلطات الفرنسية التي أصدرت في حقه حكم الإعدام غيابياً عام 1952.
في ليلة الفاتح من نوفمبر، تجلى دوره التاريخي بتجنيد قرابة المائة مناضل من يابوس، وتنظيمهم في ثلاث مجموعات استراتيجية. قام بتوزيعهم بين خنشلة وباتنة ويابوس، في تنسيق محكم مع بن بولعيد وعباس لغرور، ليضربوا في آن واحد أهدافاً استعمارية متعددة.
كان عمار معاش نموذجاً للقائد المحنك الذي يجمع بين الحكمة والشجاعة. رفض الانجرار إلى صراعات المسؤولية، وظل وفياً لمبادئ نوفمبر، داعياً دوماً إلى وحدة الصف وتماسك الجيش. هذه المبادئ السامية جعلت منه قامة ثورية فريدة في تاريخ الثورة الجزائرية.
إن قصة عمار معاش هي قصة جيل كامل من المناضلين الذين آمنوا بأن الحرية تستحق التضحية، وأن الكرامة لا تُسترد إلا بالكفاح. هي قصة رجال صنعوا من إرادتهم سلاحاً، ومن إيمانهم بالقضية درعاً، فكانوا شموعاً أضاءت درب الحرية لجزائر اليوم.
في كل فاتح نوفمبر، نستذكر هؤلاء العظماء الذين صنعوا التاريخ بدمائهم وتضحياتهم، ونستلهم من سيرهم العطرة دروساً في التضحية والوفاء والإخلاص للوطن. فتحية إجلال وإكبار لروح المجاهد عمار معاش ولكل شهداء الثورة التحريرية المجيدة.
“فمن جبال الأوراس انطلقت الثورة، ومن قلوب الرجال انبثق الفجر، وعلى دروب التضحية مشى الأبطال، ليكتبوا بدمائهم الزكية قصة حرية الجزائر.”



