شخصيات لها تاريخشهداء الوطن

عبد الله فيلال مناضل استثنائي وعبقري التنظيم الذي وهب حياته للحرية

مقتبس: صوت الشعب – ديسمبر 1957
يُعد عبد الله فيلالي واحدًا من أبرز رجالات الحركة الوطنية الجزائرية وأكثرهم تفانيًا ونكرانًا للذات، رجلٌ لم يعرف الراحة، ولم يتأخر يومًا عن الصفوف الأمامية للكفاح، فكرّس أكثر من ربع قرن من عمره لخدمة الوطن والطبقة العاملة الجزائرية، حتى لقي حتفه شهيدًا للحرية.

النشأة والبدايات الأولى في النضال الوطني

التحق عبد الله فيلالي مبكرًا بالحركة الوطنية الجزائرية، قبل أن يلتقي به رفيقه لأول مرة في أكتوبر 1936 بمدينة قسنطينة، مسقط رأسه. كان حينها شابًا مناضلًا، سبق جيله في الوعي والانخراط السياسي، وما لبث أن انتقل إلى باريس في نوفمبر من السنة نفسها، حيث ذاب كليًا في العمل الوطني، واستطاع في ظرف وجيز أن يكسب ثقة رفاقه وتعاطف عدد معتبر من الفرنسيين المتعاطفين مع القضية الجزائرية.

في قلب التنظيم بعد حل نجم شمال إفريقيا

بعد حل نجم شمال إفريقيا في جانفي 1937، لم يتراجع عبد الله فيلالي خطوة واحدة، بل ظل في طليعة الكفاح، متسلمًا مهام التنظيم، وهو المجال الذي أبدع فيه حتى صار حلقة وصل أساسية بين مختلف هياكل الحزب. في 11 مارس 1937 رافق رفيقه إلى محافظة الشرطة بباريس لوضع قانون حزب الشعب الجزائري، وبعد اعتقال قيادة الحزب في أوت 1937، انتقل إلى الجزائر ليتولى الإشراف على القيادة، فتمكن في وقت قياسي من التحكم في التنظيم من شمال البلاد إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.

سجون الاستعمار… مدرسة الصلابة والانضباط

في فيفري 1938، اعتقل وسُجن بسجن برباروس، حيث حُكم عليه بـ18 شهرًا، وهناك كان مثالًا حيًا للانضباط والوفاء للحزب ورئيسه، لا يتزعزع مهما اشتدت الظروف. وبعد الإفراج عنه قبيل الحرب العالمية الثانية، عاد مباشرة إلى الكفاح دون تردد. لكن الاستعمار عاد ليعتقله في نوفمبر 1939 ويزجه في السجن العسكري لسنوات طويلة، حاول خلالها كسر إرادة المناضلين دون جدوى.

ما بين الحرية والمطاردة… رجل لا يُمسك

أُفرج عنه سنة 1943، فشرع من جديد في إعادة تنظيم الحزب، متنقلًا عبر كل ربوع الجزائر رغم المطاردة الأمنية المتواصلة. وبعد أحداث ماي 1945، حُكم عليه بالإعدام غيابيًا، غير أن ذلك لم يثنه عن مواصلة النضال، بل زاده إصرارًا على المضي في طريق الحرية.

من باريس إلى مؤتمر هورنـو… حسم مسار الحركة

في سنة 1948، تولى قيادة فيدرالية فرنسا لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، فعمل على تعزيزها، وأنشأ جريدة، وجمع حوله الطلبة والتجار الصغار والعمال، وأصبح عامل دهان البنايات صوتًا مسموعًا لدى الجالية الجزائرية والفرنسيين على حد سواء. وفي سنة 1953، أسس لجنة الخلاص العام لتصحيح مسار الحزب، وبعد جولة تنظيمية سرية واسعة، تُوج هذا المسعى بالمؤتمر التاريخي بهورنـو في 14 جويلية 1954، الذي أنهى سياسة المساومة والاستسلام.

الثورة الجزائرية ومرحلة المواجهة الشاملة

مع اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، كان عبد الله فيلالي بالقاهرة في مهمة قصيرة، قبل أن يعود إلى باريس ليواجه القمع الوحشي الذي طال مناضلي الحركة في الجزائر وفرنسا. وخلال شهرين فقط، أعاد ترتيب الأوضاع، وأسّس الحركة الوطنية الجزائرية، مؤكّدًا مرة أخرى قدرته التنظيمية الفذة. غير أن الاستعمار لاحقه واعتقله مجددًا في 30 جوان 1955، ليودع سجن تيزي وزو إلى غاية جانفي 1957.

عبقرية التنظيم والنضال النقابي

تميّز عبد الله فيلالي بروح تنظيمية بلغت حد العبقرية، في التحضير، والتحرك، وسرعة الاتصال، وإدارة الأزمات. عاش حياة الفلاحين والعمال، وانخرط بوعي عميق في العمل النقابي، مؤمنًا بأن النضال العمالي ضرورة لحماية مكاسب الاستقلال. التحق باتحاد نقابات العمال الجزائريين، وأصبح أمينًا عامًا مساعدًا، وشارك في مؤتمر باماكو، حيث ترك أثرًا بالغًا في النقاشات، وهو النجاح الذي دفع ثمنه غاليًا، إذ اُغتيل رفقة رفيقه أحمد بخات، في عملية استهدفت قيادة الاتحاد النقابي بأكملها.

استشهاد رجل عاش للحرية

استُشهد عبد الله فيلالي وهو في خدمة الطبقة العاملة الجزائرية، بعد أكثر من خمسٍ وعشرين سنة من النضال السياسي والتنظيمي والنقابي. لم يمت في فراشه، بل رحل مكافحًا، مؤمنًا أن الحرية شرط الوجود الإنساني لكل مجتمع دون تمييز عرقي أو ديني.

خسارة وطنية لا تُعوض

برحيله، فقد الشعب الجزائري مناضلًا من طراز خاص، وفقدت الطبقة العاملة نقابيًا صلبًا، وفقد رفاقه صديقًا وفيًا لا يعوض. ترك وراءه زوجة وفية رافقته في أحلك الظروف، وأخته الصغرى، وأخاه، وأصدقاء موزعين في كل مكان، يقتسمون الألم والفخر بسيرته.

وداع لا يُنسى

رغم نفيه ودفنه بإحدى جزر المحيط الأطلسي، بقي عبد الله فيلالي حاضرًا في وجدان رفاقه، حيًا بأفكاره ومبادئه، ورمزًا لمناضل وهب حياته للحرية. لقد رحل جسدًا، لكنه بقي شاهدًا على معنى الالتزام الحقيقي، وعلى أن الثوريين الكبار لا يموتون… بل يتحولون إلى ذاكرة خالدة للأمم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى