الجانب السياسي للثورة

عندما أعاد قادة الثورة الجزائرية ترتيب البيت الداخلي

في أواخر أوت 1957، اجتمع المجلس الوطني للثورة الجزائرية (CNRA) في القاهرة في جلسات امتدت من 20 إلى 28 من الشهر نفسه. اللقاء لم يكن عادياً؛ فقد ضمّ أبرز قادة الثورة من أمثال عبان رمضان، فرحات عباس، كريم بلقاسم، بن يوسف بن خدة، بوصوف، بن طوبال، لمين دباغين، أحمد مهري، محمد يزيد وغيرهم.

إعادة تقييم المسار

جلسات القاهرة جاءت بعد سنة واحدة من مؤتمر الصومام (1956)، وهدفت إلى تقييم أداء لجنة التنسيق والتنفيذ (CCE) وتوسيع هياكل القيادة. وقد تبنى الحاضرون حصيلة نشاطات اللجنة السابقة بالإجماع، لكن النقاشات فتحت الباب أمام قضايا حساسة، أبرزها العلاقة بين السياسي والعسكري، ومكانة الداخل مقارنة بالخارج.

إنصاف القادة المسجونين

من بين أهم القرارات، الاعتراف بالدور التاريخي للقادة المسجونين منذ 1956، وهم بن بلة، آيت أحمد، بوضياف، وخيضر. هؤلاء صُنِّفوا كأعضاء شرفيين في اللجنة القيادية، في خطوة رمزية لإعادة الاعتبار لرجال كانوا وراء تفجير ثورة نوفمبر.

توسيع القيادة وتأكيد المبادئ

المجلس رفع عدد أعضائه إلى 54، وزاد عدد أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ إلى 9. كما أكد على مبدأ المساواة بين السياسيين والعسكريين، وبين الداخل والخارج: “لا أولوية للسياسي على العسكري، ولا فرق بين الداخل والخارج”، في إشارة إلى رغبة في تجاوز الخلافات التي ظهرت عقب مؤتمر الصومام.

البعد الدولي

قرارات القاهرة منحت لجنة التنسيق والتنفيذ صلاحيات واسعة للتعامل مع القضايا المصيرية: التفاوض مع فرنسا، وقف إطلاق النار، وحتى المواقف من الحرب الباردة بين المعسكرين. بذلك، عكست القيادة وعياً استراتيجياً بضرورة تحصين الثورة داخلياً، وفي الوقت نفسه إدارتها ببراغماتية على الصعيد الدولي.

ثورة بمشروع سياسي

ما تكشفه هذه الوثائق أن الثورة الجزائرية لم تكن مجرد كفاح مسلح ضد الاستعمار، بل مشروعاً سياسياً متكاملاً، فيه نقاشات وصراعات، لكن أيضاً وحدة حول الهدف الأسمى: إقامة جمهورية جزائرية ديمقراطية اجتماعية متجذرة في قيم الإسلام.

خاتمة

اجتماع القاهرة سنة 1957 كان لحظة حاسمة في مسار ثورة التحرير. فقد جسّد قدرة قادتها على إدارة الخلافات وتوسيع دائرة التمثيل، مع التأكيد على وحدة الصف. وثيقة أخرى تضاف إلى رصيد الثورة الجزائرية، لتؤكد أن معركة التحرير لم تُخض بالبندقية وحدها، بل أيضاً بالكلمة، بالاجتماع، وبالحكمة السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى