شهداء الوطن

عندما تنزف المقصلة حرية شهداء سجن الكدية

عندما تنزف المقصلة حرية شهداء سجن الكدية

في تلك الليلة الباردة من فيفري 1957، كان سجن الكدية بقسنطينة على موعد مع البطولة في أنقى صورها. أربعة رجال، في قلوبهم نبض الوطن وفي عروقهم تجري الحرية، وقفوا أمام المقصلة بشموخ الأبطال وإباء الثوار.

بومليحة علاوة، زايدي عمر، لعياشي محمد، وعريف فرحات – أسماء حفرها التاريخ بحروف من نور في سجل الخلود. لم يكونوا مجرد أرقام في سجلات الإعدام الفرنسية، بل كانوا قصصاً متفردة في التضحية والفداء.

زايدي عمر، ابن يابوس الأبي، في ريعان شبابه وعنفوان الثانية والعشرين، حمل روحه على كفه وقدمها قرباناً للوطن. بينما جسد رفيقه عريف فرحات، بسنواته الواحد والأربعين، حكمة النضال وخبرة المقاومة. كلاهما من أرض خنشلة الثائرة، التي طالما أنجبت الأبطال وأرضعت المناضلين.

سجن الكدية، ذلك الصرح الشاهق الذي تحول إلى مسلخ للحرية، شهد على أعظم دروس التضحية. 222 شهيداً سقطوا تحت شفرة المقصلة، لكن أرواحهم ظلت تحلق في سماء الحرية، تنادي الأجيال: هنا مرّ البطل، هنا سقط الشهيد، هنا ولدت الحرية.

جدران السجن، المنقوشة بآثار التعذيب وصرخات الألم، تحولت إلى لوحات تروي قصص البطولة. كل ركن فيها يحكي حكاية، وكل زنزانة تشهد على صمود أسطوري في وجه الظلم والطغيان.

اليوم، ونحن نستذكر تلك اللحظات المفصلية، نعي جيداً أن دماء الشهداء لم تذهب سدى. فمن رحم الألم والتضحية، ولدت جزائر حرة أبية. وها هي ذكراهم تتجدد كل عام، تُلهم الأجيال وتذكرنا أن الحرية، تلك الكلمة المقدسة، كان ثمنها باهظاً.

هؤلاء الأربعة لم يموتوا، بل هم أحياء في ضمير كل جزائري حر. زرعوا بدمائهم بذور الحرية، فأينعت شجرة الاستقلال، وها نحن اليوم نتفيأ ظلالها، ونجني ثمارها.

في كل فبراير، يتجدد العهد مع هؤلاء الأبطال. نقف إجلالاً لتضحياتهم، ونستلهم من صمودهم دروساً في العزة والكرامة. فهم ليسوا مجرد أرقام في سجلات التاريخ، بل هم مشاعل تنير درب الأجيال، وتذكرنا دوماً أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالتضحيات والدماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى