خنشلة

أحمد زبانة

  • الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لإعدام الشهيد الأول على المقصلة.

  •  بوزيد مخبي 

في التاسع عشر من يونيو لعام 2023، تجدد الجزائر ذكرى مرور 67 عامًا على استشهاد البطل الأبدي “أحمد زبانة”، المعروف أيضًا باسم “حميدة”، وهو أول شهيد تم إعدامه. لقد كان مثالاً يُحتذى به في النضال والمقاومة التي أبداها الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. عُيّن الشهيد قائدًا في جبهة وجيش التحرير الوطني في المنطقة الغربية بوهران وكان من أوائل المقاتلين الذين انخرطوا في الثورة التحريرية.

  • بطل نشأ من أحضان الفاقة والمحرومية.

ولد الشهيد أحمد زهانة، المعروف في فترة الثورة بأحمد زبانة، في عام 1926 في منطقة القصد (التي تُعرف اليوم بزهانة)، ثم انتقل مع أسرته إلى حي الحمري في مدينة وهران. نشأ أحمد في كنف عائلة فقيرة تتألف من ثمانية أبناء، حيث كان الرابع بين إخوانه. كان والده يعمل بالزراعة. التحق أحمد بالمدرسة الابتدائية واستطاع نيل شهادتها باللغة الفرنسية، ولكن كان مواصلة التعليم فوق هذا السن محظورًا على الجزائريين، لذا تم طرده من المدرسة. عقب طرده، التحق بمركز للتدريب المهني، وتخرج منه كلحام ماهر.

  • صقلت الكشافة الإسلامية حسه الوطني وروحه الثائرة.

شارك أحمد زبانة في الكشافة الإسلامية، وهو ما زاد من وعيه الوطني وأيقظ فيه إحساسًا بالاضطهاد والظلم الذي يتعرض له أبناء شعبه. هذه العوامل دفعته للالتحاق بالحركة الوطنية في عام 1941. تعهد زبانة بترويج مقاصد الحركة وترسيخ معتقداتها بين الشباب، ولفت الانتباه إلى جرائم المستعمر الفرنسي. نظرًا لبراعته وشجاعته المثبتة في ميادين العمل، انتخبته الحركة السرية (الجناح العسكري) كأحد أعضائها. استطاع بخبرته القيّمة تأسيس خلايا للمنظمة في المناطق التي كان مسؤولًا عنها. وقد لعب دورًا فعالًا في عملية بريد وهران التي حدثت في عام 1950.
تصاعدت الأنشطة السياسية للشهيد وحراكه، الأمر الذي لفت انتباه القوى الاستعمارية. هذه الأخيرة لم تتردد في القبض عليه وإحالته للقضاء، حيث تم الحكم عليه بالسجن لمدد تصل إلى ثلاث سنين، ومن ثم نفيه خارج المدينة لمدة ثلاث سنوات أخرى، أمضى خلالها وقته في كل من معسكر ومستغانم والقصر.

“احمد زبانة” الشهيد الخالد .. رمز الكفاح الجزائري
“أحمد زبانة”، الشهيد الذي لا يُنسى، هو رمز لنضال الشعب الجزائري.
  •  دوره في التحضير للثورة 

بعد أن تم حل اللجنة الثورية للوحدة والعمل في الخامس من يوليو 1954، جرى تعيين الشهيد من قبل الشهيد الخالد العربي بن مهيدي ليتولى مسؤولية منطقة زهانة، مكلفًا إياه بالتحضير للثورة بتوفير الذخيرة والعناصر اللازمة لها. وتنفيذًا للتوجيهات الممنوحة له، عُقد اجتماع زهانة الذي جرى فيه التشاور مع الشهيد عبد المالك رمضان، وفُصِّلت في أعقابه مهام زبانة لتشمل تنظيم الوحدات القتالية وتدريبها وانتقاء العناصر الملائمة وتكليفهم بقيادة الرجال واستطلاع المواقع الاستراتيجية لتحديد الأماكن التي يمكن أن تكون مقرات للثورة. نجح الشهيد في إنشاء وحدات في كل من زهانة، وهران، تموشنت، حمام بوحجر، حاسي الغلّة، شعبة اللحم والسيق. وأُسندت إلى هذه الوحدات مهمة جمع المساهمات المالية لشراء الذخيرة والأسلحة، كما تولى مع الشهيد عبد المالك رمضان الإشراف على التدريبات العسكرية وتقنيات نصب الكمائن وشن الهجمات وتصنيع القنابل. وفي الاجتماع الذي ترأسه الشهيد العربي بن مهيدي في الثلاثين من أكتوبر سنة 1954، تم تحديد التاريخ الدقيق لاندلاع الثورة وتعيين الأهداف التي ينبغي مهاجمتها في ليلة الأول من نوفمبر.

في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 1954، تم عقد اجتماع للشهيد مع كتائبه حيث جرى توزيع الواجبات وتعيين الأهداف، وتم تحديد الموقع.
بعد أن نفذت الهجمات على الأهداف المتفق على ضربها في فرنسا، تلاقى الشهيد بقيادات وأعضاء الكتائب التي أُوكلت بمهمة تنفيذ هذه الهجمات ليقوموا بتقويمها ووضع خطط للخطوات اللاحقة. ومن بين العمليات التي قادها الشهيد بنجاح عملية في لاماردو بتاريخ 4 نوفمبر 1954، ومعركة غار بوجليدة التي حصلت في الثامن من نوفمبر 1954 حيث أُسر أحمد زبانة بعد إصابته برصاصتين.

  • “أفني حياتي ولتبقى الجزائر خالدة”.. كونوا بفخر بما قدمت.

تمت إحالة الشهيد إلى المركز الطبي العسكري في وهران، ثم من هناك إلى السجن، حيث جُرِّم بالإعدام من قبل المحكمة العسكرية في وهران يوم 21 أبريل 1955. وتلا ذلك في الثالث من مايو 1955، ترحيل الشهيد إلى سجن برباروس في الجزائر العاصمة، حيث عُرض على المحكمة مرة أخرى لتأكيد الحكم الذي سبق صدوره من محكمة وهران. بعد ذلك، تم نقل الشهيد إلى سجن سركاجي. وفي 19 يونيو 1956، تم إخراج الشهيد من زنزانته في الساعة الرابعة صباحًا ليصبح أول من ينفذ فيه حكم الإعدام بهذه الطريقة.

تم اقتياده إلى المقصلة وهو يكرر بصوت مرتفع معبراً عن سعادته الغامرة ليكون أول مواطن جزائري يتم إعدامه على المقصلة، مؤكداً أن الجزائر ستظل حرة ومستقلة سواء كانوا موجودين أم لا. ثم طلب من محاميه أن ينقل رسالة إلى والدته. بعد مرور سبع دقائق على إعدام زبانة، تم إعدام شهيد آخر يدعى عبد الكريم فراج بذات الطريقة وفي نفس المكان. وظلت آلة الإعدام تعمل دون توقف لمدة خمس سنوات متواصلة خلال فترة الكفاح من أجل الاستقلال الوطني، حيث أُعدم خلالها ما مجموعه 222 شهيداً.

ترددت أصداء واسعة محليًا ودوليًا بسبب إعدام زبانة، حيث سلطت الصحافة العالمية الضوء على هذا الحدث بنشر صورته على الصفحات الأولى للجرائد مع تعليقات مفصلة عن حياته. في الداخل، تلت الإعدام مباشرةً أعمال شجاعة من قبل المجاهدين في منطقة الغرب في اليوم التالي، الموافق 20 يونيو 1956، نتج عنها مقتل سبعة وأربعين من العملاء وإعدام اثنين من السجناء الفرنسيين.

  •  بوجودنا  تحيا الجزائر ذات استقلال وحرية، سواء بنا أو بدوننا.

وبينما كان يسير نحو الفأس المشؤوم، كان الشهيد البطل يصدح عاليًا معبرًا عن سروره البالغ لأنه أصبح أول جزائري يخطو إلى مقصلة الإعدام، مؤكدًا أن الجزائر ستظل حرة ومستقلة سواء كنّا فيها أم لم نكن. وقبل نهايته، طلب من محاميه أن ينقل آخر كلماته إلى والدته وفيا تركيبها الآتي:


  •  أقاربي   الأعزاء، أمي العزيزة   : 

أوجه إليكم كتابتي وأنا في حيرة من أمري إن كانت هذه الرسالة هي نهاية المراسلات، والعلم لله وحده. أفهم بأنه في حال ألمت بي نازلة بأي شكلٍ من الأشكال، فإنني لا…  تيئسوا من رحمة الله   ،  إن الموت من أجل الله هو حياة أبدية لا تزول، والموت في سبيل الوطن كذلك. أدّيتم مسؤوليتكم على أكمل وجه عندما تضحون بأغلى ما تملكون، فلا داعي للبكاء عليّ.  بل افتخروا بي   .
في النهاية، اقبلوا مني تحية صادقة كابن وأخ كان يكن لكم دوماً مشاعر المودة والمحبة، والذي لطالما كان محبوباً من قبلكم. ربما تكون هذه آخر تحية أبعثها لكم، وأهديها خصيصًا لكِ يا أمي ولك… أبوي وإلى نورة، والهواري، وحليمة، والحبيب، وفاطمة، وخيرة، وصالح، ودينية. إلى أخي الحبيب عبد القادر، وكل من يقف إلى جانبكم في مصابكم،  .
الله عظيم وهو المسؤول الوحيد عن تحقيق العدالة.  . 
 ابنكم وأخوكم الذي يعانكم بكل   فؤاده 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى