
شهداء الوطنشخصيات لها تاريخ
مصطفى بولعيد
مصطفى بولعيد وُلِد في عام 1917 وتوفي في عام 1956.
مصطفى ابن بولعيد يعتبر من الشخصيات البارزة في الكفاح من أجل الاستقلال، وكان من بين المناضلين الأولين الذين قدموا تضحيات جسام من أجل تحرير الوطن.

وُلِد الشهير بلقب “أسد الأوراس”، ابن بولعيد، في الخامس من شهر فبراير عام 1917م في أريس، أحد أحياء مدينة باتنة. تنحدر عائلته من الطبقة الغنية، وشرع في تعلمه الأول بمدرسة القرآن التقليدية، حيث كان والده مدرسًا للقرآن الكريم يعلمه. بعد ذلك، انتقل هو وعائلته إلى مدينة باتنة، حيث التحق بمدرسة الأهالي (التي سُميت فيما بعد بمدرسة الأمير عبد القادر)، وأكمل فيها تحصيله العلمي لمدة سبع سنوات.
في عام 1935، رحل والد مصطفى مخلفًا وراءه ظروفاً صعبة للعائلة، مما دفع مصطفى للانقطاع عن دراسته والسفر إلى فرنسا بحثاً عن عمل يساعده على تخفيف العبء المادي عن عائلته. لكن إقامته في الخارج لم تطل، إذ سرعان ما عاد إلى وطنه حيث بدأ بممارسة التجارة كمهنة.
في عام 1938، التحق ابن بولعيد بالجيش الفرنسي كمجند. ولما اندلعت الحرب العالمية الثانية تم استدعاؤه مرة أخرى وعين برتبة مساعد، حيث حاز على تكريم بميدالية عسكرية. وبانتهاء الحرب، عاد إلى موطنه الأصلي، حيث شهد واقعة الثامن من مايو 1945 التي أثرت فيه تأثيرًا بالغًا ورسخت فيه اعتقاد قوي بأهمية النضال؛ وهو ما مهد لتبلور أفكاره الجادة حول اللجوء إلى الثورة المسلحة كطريقة لتحرير وطنه من الهيمنة الاستعمارية.

في نهاية شهر مايو من العام ذاته، التحق ابن بولعيد بركب حزب الشعب الجزائري بعد أن نال توصية من المجاهد “اسمايحي الحاج أزراري”، القائم بأعمال خلية الحزب في أريس. ولكن الحقيقة هي أن انطلاقته السياسية قد كانت في وقت مبكر قبل عام 1945، إذ انضم إلى تنظيم نقابي خلال رحلته إلى فرنسا في عام 1937 وتم انتخابه كممثل للعمال الجزائريين في الخارج، ولما عاد إلى بلده، تم اقتراعه كرئيس لنقابة التجار.
تأهلته المهمات السياسية والعسكرية التي قام بها خلال الحرب العالمية الثانية ليصبح جزءًا من قادة حزب الشعب الجزائري، وهو حلم استمر يراوده منذ صغره. كما عرف ابن بولعيد بدعمه لـ “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين”، التي كانت رائدة في تجديد الفكر الديني، لأنه كان يعتقد بأن كل من حزب الشعب الجزائري والجمعية كانتا مؤسستين قادرتين على الريادة في مسيرة البلاد نحو الاستقلال.
بفضل حيويته وإخلاصه المتواصل في الجهود الوظيفية، تقدم إلى المناصب الرفيعة ضمن صفوف الحزب وبات أحد الأعضاء باللجنة الأساسية للحزب الذي أصبح معروفاً بتسمية حركة النصر للحريات الديمقراطية.

في اليوم التالي لتأسيس الهيئة المذكورة في العام 1947، كان ابن بولعيد من أبرز أفرادها، إذ كان يؤدي عمله في أولى مراحل الإنشاء تحت قيادة كل من المناضل عبد القادر العمودي كرئيس مباشر له والشهيد ابن مهيدي الذي كان يشرف على جنوب شرقي الجزائر. وسرعان ما تقلد ابن بولعيد زمام المسؤولية في منطقة أريس خلفاً لعبد القادر العمودي، مسؤوله السابق.
خبرة القائد السياسية والوطنية أسهمت في حماية منطقته من موجة الاعتقالات التي نفذتها قوات الاحتلال بعد الكشف عن المنظمة السرية في العام 1950. فأصبحت المنطقة قلعة حصينة ومكان آمن يلجأ إليه النضاليون الهاربون من مناطق أخرى مثل القبائل وشمال قسنطينة.
ساهم في تأسيس “اللجنة الثورية من أجل الوحدة والعمل”، وبفضل الثقة الكبيرة التي كان يتمتع بها من الجميع، لعب دوراً هاماً في تقريب وجهات النظر وحل النزاعات خلال الخلافات الحزبية بين المركزية والمصاليين. كذلك، قاد الاجتماع الهام الذي عُقد في كلوصلومباي (تُعرف الآن بالمدنية) بالعاصمة الجزائر نهاية يونيو عام 1954م، حيث تم تكليفه من قِبَل الحضور بعملية فرز الأصوات. ويُشار إلى فضله الكبير أيضاً في انضمام القبائل الى اللجنة المكونة من ستة أعضاء.

في مساء الأول من شهر نوفمبر، كان بولعيد يقود المجموعة الأولى التي انطلقت في مقدمة الثورة دون منازعة، لكنه اعتبر أن الموارد المتاحة في تلك البقعة لا تكفي لمتابعة الكفاح. لذا اضطر للتوجه إلى تونس لجلب الأسلحة، فأسرته القوات الفرنسية على الحدود الليبية-التونسية في الثاني عشر من فبراير عام 1955. ومع ذلك، تمكن من الهروب قريبًا مع بعض أصدقائه كالطاهر الزبيري، وعاود نشاطه القتالي في الحادي عشر من نوفمبر 1955.
فور عودة ابن بولعيد، استقبله رفاقه في الكفاح بترحاب كبير، بينما غمرت السلطات الفرنسية مشاعر الإحباط الشديد. ومعه، بدأت الثورة تشتعل بقوة أكبر في منطقة الأوراس. لذا بذلت السلطات الفرنسية جهوداً مضنية للتخلص من هذه القوة الدافعة للثورة، وبدأت بمحاولات لتصفيته. ونجحت في ذلك في 22 مارس 1956، عندما نفذت السلطات الفرنسية في العاصمة باريس وبخطة محكمة الصياغة، عملية اغتياله من خلال جهاز راديو لاسلكي ملغوم. حاول ابن بولعيد تشغيل الجهاز فانفجر، مخلفاً وراءه دماراً قضى على ابن بولعيد ومن معه في الموقع، تاركاً إياهم أشلاء متناثرة. .




