شهداء الوطن

الشهيد النقيب قوارف لخضر

الشهيد النقيب قوارف لخضر… البطل المنسي الذي دوّخ المستعمر ودوّى صمته في ذاكرة الوطن

في زحمة الأسماء الخالدة وفي صمت بعض البطولات المدفونة تحت تراب الذاكرة الوطنية، يبرز اسم الشهيد النقيب قوارف لخضر، رمزًا من رموز النضال الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، وواحدًا من أولئك الذين بذلوا حياتهم من أجل حرية الوطن، لكن لم تنل سيرته ما تستحق من التأريخ والتمجيد.

وُلد قوارف لخضر سنة 1929 في منطقة لبريكات بعين التوتة بولاية باتنة، وسط أسرة ميسورة ومحافظة غرست فيه القيم الوطنية والغيرة على الوطن منذ نعومة أظافره. تعلّم القرآن الكريم ودرس في المدرسة الابتدائية “قطاف فطيمة” حاليًا، ثم انتقل لمتابعة دراسته الثانوية بـ”ليسي رضا حوحو” (Aumale سابقًا) في قسنطينة، لينال شهادة البكالوريا بجزئيها عامي 1947 و1948، ويتوجه نحو التعليم ثم الالتحاق بالثورة.

المعلم الذي تحوّل إلى مقاتل وكاتب عام للولاية الأولى

لم تكن الوطنية في نظر قوارف لخضر مجرد شعارات، بل ممارسة فعلية. فقد انخرط في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية، حيث صقلت شخصيته النضالية. التحق بالتدريس في عدة مدن، من البليدة إلى خنشلة، وصولًا إلى عين التوتة حيث أصبح من الأسماء الفاعلة في المجال التربوي، كما نشط ضمن المنظمة الوطنية، وكان محرّرًا للمناشير السياسية ببلاغة عالية، وأحد أهم الواصلين بين الداخل والخارج.

وفي سنة 1958، التحق رسميًا بـصفوف جيش التحرير الوطني، وتم تعيينه كاتبًا عامًا للولاية الأولى خلفًا لرشيد زيداني، ليؤدي مهامه تحت إشراف القائد علي سواحي، وبتعاون مع المجاهدين الطاهر زبيري، يحياوي، جيلالي عثمان وغيرهم.

معركة “آمان أحمد أونصر”: ملحمة الشهادة والخلود

تُوجت مسيرة البطل قوارف لخضر باستشهاده في معركة من أعنف المعارك التي شهدتها جبال الأوراس، وهي معركة آمان أحمد أونصر بتاريخ 7 فبراير 1961، حين قامت قوات الاحتلال بحملة عسكرية واسعة مدعّمة بالطائرات والمظليين والمدفعية، مستهدفة قادة الثورة في غابة آيث ملول. ورغم اللامساواة في العتاد، قاوم الثوار ببسالة، وارتقى في هذه الملحمة نحو 100 شهيد، من بينهم القائد علي سواحي، والبطل قوارف لخضر.

ورغم الخسائر، كبّد المجاهدون العدو خسائر فادحة قُدّرت بأكثر من 400 قتيل، وفق ما تداولته شهادات ميدانية. ولم تجد فرنسا سوى إسقاط المنشورات على سكان باتنة لتأكيد مقتل القادة، في محاولة لبث اليأس، لكنها لم تكن تعلم أن دماء الشهداء تروي جذوة الثورة لا تطفئها.

سيرة تنتظر من يُعيد كتابتها وتاريخ ينتظر من يُنصفه

اليوم، وبعد مرور أكثر من ستين سنة على استشهاده، لا تزال سيرة النقيب قوارف لخضر بحاجة إلى من يُنصفها من الباحثين والمؤرخين، وتنتظر عائلته، وعلى رأسها الأستاذ الصحفي رشيد قوارف، التفاتة حقيقية من السلطات المحلية لتخليد ذكراه بما يليق بعطاءاته. فبالرغم من تسمية ثلاث مدارس ابتدائية باسمه، إلا أن البطل يستحق أكثر: مؤسسة كبرى، متحف، أو حتى ملتقى وطني لتوثيق إسهاماته الفكرية والنضالية، خصوصًا وأنه كان كاتبًا، محررًا، ومثقفًا يمتلك رؤى وطنية عميقة لا تزال مجهولة في كثير من جوانبها.

في الختام…

قوارف لخضر ليس فقط شهيدًا ارتقى في معركة، بل مشروع وطني متكامل ضحى بكل شيء من أجل الجزائر. إن الحديث عنه هو حديث عن جيل آمن أن الوطن لا يُبنى بالكلمات بل بالدماء، وآن الأوان أن يُرفع عنه غبار النسيان، ليحتل مكانته التي تليق به في سجل الخالدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى